قال الشيخ حمود بن عبد الله التويجري -رحمه الله-:
فصل
النوع الثامن من التشبُّه بأعداء الله - تعالى -:
ترك الشيب في الرأس واللحية أبيض ناصعًا لا يغير ذلك، وذلك من فعل اليهود والنصارى.
وفي الصحيحين و"المسند" و"السنن" عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r: ((إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم))، هذا لفظهم سوى الترمذي.
ولفظ الترمذي: ((غيِّروا الشيب ولا تشبهوا باليهود))، ثم قال الترمذي: حديث حسن صحيح.
وفي روايةٍ للإمام أحمد: ((غيِّروا الشيب ولا تشبَّهوا باليهود ولا بالنصارى))، وأخرجه ابن حبان في "صحيحه" بهذا اللفظ.
وفي روايةٍ للنسائي: ((إن اليهود والنصارى لا تصبغ فخالفوا عليهم فأصبغوا)).
وروى الإمام أحمد من حديث أبي أمامة t قال: خرج رسول الله r على مشيخة من الأنصار بِيض لحاهم فقال: ((يا معشر الأنصار، حمِّروا وصفِّروا وخالفوا أهل الكتاب)).
قال الحافظ ابن حجر: إسناده حسن، قال: وأخرج الطبراني في "الأوسط" نحوه من حديث أنس - رضِي الله عنه.
قال: وفي "الكبير" من حديث عتبة بن عبد t: كان رسول الله r يأمر بتغيير الشعر مخالفة للأعاجم.
قال شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيميَّة - رحمه الله تعالى -: قد تبيَّن أن نفس مخالفتهم أمرٌ مقصود للشارع في الجملة، ولهذا كان الإمام أحمد بن حنبل وغيره من الأئمَّة يعلِّلون الأمر بالصبغ بعلة المخالفة، قال ابن حنبل: سمعت أبا عبدالله يقول: ما أحبُّ لأحدٍ إلا أن يغيِّر الشيب ولا يتشبه بأهل الكتاب؛ لقول النبي r: ((غيِّروا الشيب، ولا تشبهوا بأهل الكتاب))، وقال إسحاق بن إبراهيم: سمعت أبا عبدالله يقول لأبي: يا أبا هاشم، اختضب ولو مرَّة واحدة، فأحبُّ لك أن تختضب ولا تشبَّه باليهود، انتهى.
وقد دلَّ حديث أبي أمامة t على أن تغيير الشيب يكون بالحمرة أو بالصفرة، ويكون أيضًا بالحناء والكَتَم؛ لما في "المسند" و"السنن" عن أبي ذر t قال: قال رسول الله r: ((إن أحسن ما غيَّرتم به هذا الشيب الحناء والكَتَم))، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وصحَّحه أيضًا ابن حبان.
وفي رواية للنسائي: ((أفضل ما غيَّرتم به الشمط الحناء والكَتَم)).
قال النووي: الكَتَم بفتح الكاف والتاء المثناة من فوق المخففة هذا هو المشهور، وهو نبات يصبغ به الشعر يكون بياضه أو حمرته إلى الدهمة.
وقال ابن حجر العسقلاني: الكَتَم نباتٌ باليمن يخرج الصبغ أسود يميل إلى الحمرة وصبغ الحناء أحمر، فالصبغ بهما معًا يخرج بين السواد والحمرة، انتهى.
وفي سنني أبي داود وابن ماجه عن ابن عباس - رضِي الله عنهما - قال: مرَّ على النبي r رجلٌ قد خضب بالحناء فقال: ((ما أحسن هذا!))، قال: فمرَّ آخر قد خضب بالحناء والكَتَم، فقال: ((هذا أحسن من هذا))، قال: فمرَّ آخر قد خضب بالصفرة فقال: ((هذا أحسن من هذا كله))، والكلام في هذا وفيما يتعلَّق بالصبغ بالسواد مبسوط في كتابي المسمى بـ"دلائل الأثر"، فليراجع هناك.
المرجع: كتاب "الإيضاح والتبيين لما وقع فيه الأكثرون من مشابهة المشركين" (76-77).